لقد صاغ الإمام الشافعي، مفهوم الوسطية صياغة إيديولوجية وقد أصبح مفهومًا مركزيًا في الثقافة الإسلامية في القرن الثاني للهجرة، وفي كتاب الدكتور نصر حامد أبو زيد الذي نقدم عرض له اليوم يقدم لنا قراءة جديدة تبدأ من تحليل النصوص التي استند إليها الشافعي، معارضاً رؤية الشافعي لهذه النصوص التي دفعت العقل العربي إلى الاعتماد على سلطة النص بعد أن تمت صياغة الذاكرة في عصر التدوين – عصر الشافعي- طبقاً لآليات الاسترجاع والترديد، وتحولت اتجاهات الاعتزال والاتجاهات العقلية إلى اتجاهات هامشية"‏.
يقوم نصر حامد ابو زيد في مقدمة كتابه والتي استغرقت نصف الكتاب تقريباً، بالرد على الاتهامات التي وجّهت له ولمجمل أبحاثه خاصة الكتاب الذي بين ايدينا، من قبل الدكتور محمد بلتاجي، والدكتور عبد الصبور شاهين، بدعوى عدم تخصصه في الفقه، مفنّداً هذه الدعوى بأن كتابه ليس في علم الفقه، وإنما في نظرية المعرفة المستندة إلى علم تحليل الخطاب، ولهذا فهو بحث في المشكلات الاجتماعية الاقتصادية، وفي فكر الشافعي بوصفه آراء تقبل النقاش ويمكن ردها إلى جذورها الاجتماعية. 
إن الحملة التي أثارها الدكتور عبدالصبور شاهين ومحمد البلتاجي، أستاذ الفقه وأصوله وخطباء المساجد وصحيفة "الشعب" ورئيس جامعة القاهرة بسبب كتاب "الإمام الشافعي" هي دفاع عن سلطة النصوص، وهي السلطة المضفاة على النصوص من جانب اتباع "النقل"، إن السؤال لا يتعلّق بقبول النص ولا برفضه، بل هو كيف يتلقّى الإنسان النص ويتفاعل معه، إن عقل الرجال ومستوى معرفتهم هو الذي يحدّد الدلالة ويصوغ المعنى، كهنة النقل يذودون عن فهمهم للنص بتقديس تأويلاتهم واجتهاداتهم فيصبح الخلاف معها كفرًا وإلحادًا وهرطقة، وهي الصفات التي ألصقت بكل اجتهادات الباحث، إن مفهوم «شمولية النصوص» لكل الوقائع يلغي من فهم الإسلام تلك المناطق الدنيوية التي تركها للعقل والخبرة والتجربة، إنه المفهوم الذي يفضي إلى القول بالحاكمية، وبتحكيم الفهم الحرفي للنصوص في كل مجالات حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وهي شمولية حرص الشافعي على منحها للنصوص الدينية، ما يعني تكبيل الإنسان وإلغاءه فاعلية وإرادة، وتم تحويل السنّة النبوية من نصٍّ شارح إلى نصٍّ مشرّع لا يقل في سلطته عن النص الأول، وتم توسيع مفهوم السنّة بجعل الإجماع جزءاً منها، والقياس مجرد أداة للوصول إلى دلالة النص لا إلى توليد الدلالة، لهذا كانت مواقف الشافعي الاجتهادية «تدور في أغلبها في دائرة المحافظة على المستقر الثابت، وتسعى إلى تكريس الماضي بإضفاء طابع ديني أزلي عليه» في هذا السياق تأتي القراءة المغرضة التي أجّج سعيرها من هاجموا وكفّروا «نصر حامد أبوزيد» انطلاقاً من مسألة عدم الفهم «واعتبار الحديث عن سلطة النص كأنها موجهة إلى النص ذاته» إنهم ينظرون إلى القواعد التي تلقنوها عن المذهب – الحنفي أو الشافعي– بوصفها قواعد ثابتة من المؤسس الأول للمذهب، وليست قواعد تكوّنت وتراكمت عبر صيرورة تاريخية محكومة بقواعد وقوانين اجتماعية مالت بها إلى التقولب والتجمّد والثبات «لقد قرّر مفكرو المذهب المتأخرون إدماج المشهورات في المتواترات لتوسيع النص الثاني «السنة» بل جعلوا أحاديث الآحاد جزءاً منها، وجاء القياس ليكون جزءاً من السُنّة، في هدف واضح لتوسيع النص وتضييق مجال العقل.