هند والعسكر
الكاتبة : بدرية البشر
”فتحت طرف الستارة لأطلّ على الشارع المقابل لنافذتي، التقطت أذني صوت الأطفال يتعلقون بأيادي آبائهم، وهم يخرجون للمدرسة. مرّ باص مدرسة البنات الأصغر سريعاً، يحمل معه فتيات مجلّلات بعباءات سوداء، ثم حافلة أطفال أخرى يشاغب أطفالها سائق الحافلة بالصياح. كان الشارع يحتفي بندى المطر، وإسفلته يلاعب رشه الناعم الخفيف، ويستحم بعيداً عن لفح الشمس الساخنة في أول أيام الشتاء. صوت أمي يحثّ مي الصغيرة على الإسراع بالذهاب للمدرسة. صفقت أجنحة الطيور في السماء تنشر يقظتها في الصباح المبكر على أشجار الرصيف. حبات المطر الخفيف تتساقط هتاناً.. حين يهطل المطر في نواحي نجد العطش يحتفل الناس به، تعتريهم حالة جنون الفرح، فعادة المطر النجدي أن يكون رقيقاً، خفيفاً، وشحيحاً. حرّكت رائحة المطر غصون قلبي اليابسة، فأوجعني تكسّر غصونها في صدري، تساقطت أوراقه الجافة فرحاً، نفثت ذكرى بعيدة لماضٍ بعيد حزين.. شعرت بضيق فاغتسلت وصليت ركعتين. فتحت الغرفة، خرجت، نفثت القهوة في وجهي، اشتعلت رائحة القهوة في البيت مثل حريق صيفي ساخن، رائحتها القوية تنبعث من مطبخ البيت. عموشة تحمص القهوة بنفسها، تضع حبوبها الخضراء في المقلاة الحامية، فوق النار، تقلّب حباتها حتى تسمرّ، أهل نجد لا يحبون القهوة السوداء، يحبونها بنية خفيفة، كوجه بدوي لوّحته الشمس. تطحن عموشة حبات القهوة قليلاً، تترك نصفها خشناً، تقذف بفنجان واحد في إبريق ماء، يموج ماؤه على نار هادئة حتى تغلي ثم تضع عموشة نصف فنجان آخر من الهيل المطحون في قلب القهوة التي تفور كروح عطشى للعناق.. تنتشر رائحة الهيل في رؤوسنا بولع، بانتظار دورها، كي تغسل القهوة مزاجنا الصباحي من خيوط أحلام البارحة العكرة، تحت شلالات حكايات القهوة المرّة، وحبات التمر الحلوة ينتشي مزاجنا ويتمدد”.
0 تعليقات